الإستهداف الإسرائيليّ للقائد العسكري في الحرس الثوري الإيراني رضي موسوي في سوريا، أمس الإثنين، يحملُ أوجهاً ميدانية عديدة تصلُ إلى لبنان بشكلٍ مباشر وسط توتر جبهة الجنوب فيه.
الغارة التي نفذها العدو الإسرائيليّ ليست عادية، فالشخص المستهدف يُعتبر بارزاً جداً على الساحة الميدانية في سوريا، كما أنه من الشخصيات التي تعتبر على تنسيقٍ عالي المستوى مع “حزب الله” في لبنان، كما أنه كان من المقربين جداً من القائد العسكري الإيراني الراحل قاسم سليماني، وعلى صلة وثيقة بالأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله.
ماذا تعني تلك العملية؟
ما يبدو هو أنّ إسرائيل أرادت تعميق إستهدافاتها أكثر ضد الإيرانيين و “حزب الله”. فإلى جانب المعارك الدائرة في غزة وجنوب لبنان، تسعى إسرائيل إلى عدم إغفال جبهة سوريا بتاتاً، فهناك المسرحُ مفتوح لتنفيذ غاراتٍ وعمليات إستهداف مثلما يحصل دائماً، كما أنّ الضربات التي ترى إسرائيل أنها موجعة، يمكن أن تحصُلَ على الأرض السوريّة.
مصادر معنيّة بالشؤون العسكريّة كشفت لـ”لبنان24″ أنَّ إسرائيل تحاولُ وعبر قصف سوريا، تعويض خسائرها في جنوب لبنان وغزة إبان المعارك الدائرة هناك، وتضيف: “حتى الآن، لم تستطع تل أبيب تحقيق هدفها الأول المتمثل بإنهاء حركة حماس داخل غزة، كما أنها ليست قادرة أيضاً على إحباط البنية التحتية الهجومية لحزب الله في جنوب لبنان. لهذا السبب، يُعتبر الميدان السوري أبرز مكانٍ لإسداء الرسائل، والأمرُ هذا حصل سابقاً لكن مضامينه الآن ستكون أكثر تأثيراً في ظل الجبهات المُشتعلة بين لبنان وغزة”.
بحسب المصادر، فإنّ إسرائيل أرادت توجيه رسالة مباشرة لإيران عبر إغتيال أحد كوادرها، والأمرُ هذا يأتي بعد تهديد طهران مؤخراً بإتخاذ إجراءات ميدانية ضد الولايات المتحدة وإسرائيل في البحر الأبيض المتوسّط.. ولكن السؤال الأكثر بروزاً هنا: ماذا بعد هذا الإستهداف؟ هل ستتوسع المواجهات؟
يوم أمس، كانت إيرانُ واضحة في خطابها الذي جاء بعد الإغتيال. الحرس الثوريّ الإيراني أكد أن إسرائيل ستدفع الثمن، والأمرُ نفسه قاله أيضاً الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي. أما “حزب الله” فكان واضحاً في بيانه حينما قال إنَّ الإغتيال يمثل جريمة تتجاوز الحدود، وتشكل اعتداءً صارخاً.
وتزامناً مع كل ذلك، كان الإعلام الإسرائيليّ واضحاً في الإشارة إلى الحادثة من بوابة أمنية، إذ كشفت تقارير عديدة أن تل أبيب تتحضر لتلقي أي ردّ إيراني على عملية الاغتيال وتحديداً من جنوب لبنان. عند الحدود هناك، الإستنفار الإسرائيليّ على أشده وهناك خشية من حصول عمليات موجعة ضدّ الجيش الإسرائيلي في تلك الجبهة.
وسط كل ذلك، تقولُ المصادرُ المعنية بالشؤون العسكريّة إنَّها ليست المرة الأولى التي تستهدفُ فيها إسرائيل مسؤولاً عسكرياً إيرانياً في سوريا، فالأمرُ هذا مألوف وقائم منذ أن بدأت فيه تل أبيب شنّ هجماتها ضدّ سوريا قبل أكثر من 4 سنوات، مستهدفة مقرات للجيش السوري من جهة، ومراكز تديرها إيران من جهة أخرى، فضلاً عن مزاعم ترتبط بقصف شحنات خاصة بأسلحة. كذلك، فإنَّ موسوي هو من بين 9 مسؤولين وعلماء إيرانيين استهدفتهم إسرائيل منذ العام 2010 وحتى الآن.
المصادر توضح أنّ الولايات المتحدة قتلت عام 2020 القائد العسكري الإيراني قاسم سليماني في العراق، إلا أن هذا الأمر لم يُؤدّ إلى شنّ حرب واسعة، وتضيف: “في الرتبة العسكرية، فإن سليماني يعتبر مهماً جداً ومن أجله لم تخض إيران أي حرب أو توسع جبهات المواجهة. وعليه، فإن الأمور قد تبقى محصورة علماً أن الرد سيكون مدروساً وقد يكون مرتبطاً بهجمات متفرقة وموجعة وليست على دفعة واحدة”.
طهران وإن شاءت أن تردّ الضربة، فإنها ستلجأ إلى أساليب ميدانيّة قائمة حالياً في أساسها، وبالتالي ليست هناك حاجة إلى إتخاذ خطوات جديدة قد تُساهم في تعزيز الجبهة إنطلاقاً من نظرية الإنتقام. بمعنى آخر، فإنّ إيران باستطاعتها أن تزيد من وتيرة إستهدافاتها لإسرائيل من خلال الجماعات التي تدعمها، سواء في اليمن أو في العراق، كما أنه بإمكانها تحريك جبهة الجولان. تقنياً، بإمكان طهران أيضاً أن تقوم بردّ من نوع آخر مثل هجمات سيبرانيّة ضدّ منشآت إسرائيلية حيوية مثلما حصل في أوقاتٍ سابقة.
ولكن ماذا عن لبنان؟ هل سيُستخدم “حزب الله” فيه لتصفية الحساب الإيراني بشكل مُباشر هذه المرّة؟
ما يمكن استشرافهُ هو أنَّ الحزب صعّد ضرباته ضد إسرائيل سواء قبل القصف الذي طال سوريا أو بعده، وبالتالي فإنّ ما ينفذه على الصعيد العسكريّ والتأثير الكبير الذي يتركهُ في الداخل الإسرائيليّ، قد تراهُ إيران نقطة لصالحها على الصعيد الإستراتيجيّ، علماً أن ذلك لن يمنع الأخيرة من اتخاذ خطوة “إنتقامية” لموسوي. لهذا السبب، فإنّ تصعيد العمليات لن يكون بسبب الضربة على سوريا فحسب، بل هو يرتبطُ أصلاً بمعادلة الضغط التي يخوضها “حزب الله” ضدّ إسرائيل منذ 7 تشرين الأول الماضي وتزامُناً مع معركة غزة.
ووفقاً للمصادر، فإنّ “حزب الله” مُنيَ بضربات عديدة عبر إستهداف عناصره وعددٍ من قادته، كما أنّ إسرائيل قصفت المدنيين في جنوب لبنان. وسط كل ذلك، لم يكن هناك تصعيدٌ فوق سقف المواجهة الحالية، والدلائل تشير إلى أن كل الأمور بقيت مضبوطة في حين أنّ التأثير الميداني من جهة جنوب لبنان الطاغي بشكل أكبر على الداخل الإسرائيليّ.
سياسة الإغتيالات
بعد ما حصل في سوريا أمس، لا يمكن بتاتاً إستبعاد لجوء إسرائيل حقاً إلى تكثيف استخدامها لسياسة الإغتيالات التي كانت تنتهجها بشكلٍ مستمر ودائم. هنا، يمكن أن تكون الضربة الأخيرة ضد المسؤول الإيراني في سوريا بمثابة إستدراج لطهران و”حزب الله” إلى المواجهة الشاملة. هنا، الأمرُ هذا قد يكون وارداً في حال لجأت إسرائيل فعلاً إلى استهداف قياداتٍ معينة بعينها، وبالتالي اعتماد مبدأ التصفية سواء في لبنان أو في سوريا أو حتى في إيران، بمعنى أن مسلسل قتل مسؤولين عسكريين قد يحصلُ في الداخل الإيراني أيضاً خلال وقتٍ لاحق.
أمام كل ذلك، يمكن القول إنَّ الواقع الميداني والعسكري بات يشهدُ دخول عناصر جديدة، فالأمور باتت تتدحرجُ شيئاً فشيئاً، وإذا كان هناك من أمرٍ يحصل، فهو أن الحرب لن تكون محصورة بجبهة، فإسرائيل قد توسع نطاق عملياتها عبر خطوات متفرعة، والدليل على ذلك ما يحصل في سوريا، وفي غزة وفي جنوب لبنان. أما على الجانب الإيراني، فدليل المواجهة الموسعة أيضاً قائم وبقوة والإشارات واضحة بهذا الشأن عبر الجبهات العديدة المفتوحة من اليمن وصولاً إلى العراق وطبعاً من دون إغفال جبهتي لبنان وغزة الأساسيتين.
[ad_2]