لم يكن مستغرباً ما أحدثته اخبار انتشار مرض الجرب في مستشفى رفيق الحريري الحكومي من بلبلة بين اللبنانيين، فهؤلاء بعد ان ذاقوا المرّ من وباء “كورونا”، جاءتهم المناوشات مع العدو الاسرائيلي جنوباً لتعيد إلى أذهانهم لوعة حرب تموز وتضعهم في خندق “الطوارئ” مع خطة موقتة بوجه “حرب مفتوحة”، تتزامن مع كلّ ما يعانونه من أزمات اقتصادية واجتماعية.
الجرب بحدّ ذاته لم يعد ذاك “المرض المخيف” ومراحل المعافاة منه لا تستغرق أكثر من أيام معدودة، ما يجعل “الضجّة” المثارة بشأن العدوى موضع تساؤل حول خلفيّاتها والهدف من التصويب نحو مستشفى بيروت في هذا التوقيت.
ما قصّة المئتي إصابة بالجرب في المستشفى؟
“هناك من يحاول الاصطياد في الماء العكر”، هذا ما أكّده مدير مستشفى الحريري، الدكتور جهاد سعادة في اتصال مع “لبنان 24″، لافتاً الى أن في المستشفى 850 موظفاً وقد يكون أحد الناقمين لأسباب شخصيّة اشاع هذا الخبر” ومؤكداً أن المستشفى لا يضمّ 200 مريضاً في الوقت الحالي، نافياً بذلك رواية المئتي إصابة التي “خضت” الأوساط في الأيام الماضية.
ويقول سعادة: “في وقت نجهّز فيه المستشفى لاي طارئ في حال حصلت الحرب مع إسرائيل ونحضّر طوابقاً تحت الأرض لاستقبال الجرحى والمرضى تحسّباً لأي استهداف معاد لها على غرار ما حصل لمستشفيات غز، هناك من يصطاد في الماء العكر ويشرب من البئر ويقذفه بحجر”، مشدداً على أن “مستشفى الحريري رائدة في الامراض المعدية ولدينا خبرة في التعامل مع هذه الحالات واخذ الاحتياطات الوقائية اللازمة ولا استهتار في هذا الموضوع”.
وعن حالات الجرب في مستشفى الحريري، يشير الى أن الإصابتين سجلتا قبل حوالى عشرين يوماً من تداول الخبر في الإعلام. ويروي لـ”لبنان 24″ ان “مريضة تعاني من التهاب الرئة وصلت الى المستشفى وتبيّن انها تعاني من الجرب. وبعد تشخيص حالتها وتأكيد اصابتها بالمرض، تواصلنا مع وزارة الصحة التي سارعت الى امدادنا باللقاحات اللازمة خلال ساعتين”.
ويكمل سعادة: “تمكّنا في اليوم نفسه من إعطاء اللقاح لنصف الموجودين في المستشفى والنصف الاخر حصل عليه في اليوم التالي. كما انه تم عزل المريضة المصابة بالجرب لمدة 3 أيام وتماثلت للشفاء وغادرت المستشفى في وقت لاحق”.
أمّا عن الإصابات في صفوف الطاقم الطبي، فيوضح أن “موظفين اثنين او 3 من الطاقم شعروا بعوارض المرض لكنه لم يتم التأكد من اصابتهم بالعدوى، وطلب منهم حجر نفسهم في منازلهم ليومين ثم عادوا الى حياتهم الى مزاولة عملهم وحياتهم الطبيعية”.
هذا ما عليكم معرفته عن “الجرب”: لا مبرر للهلع!
على عكس ما يعتقد البعض، ليس الجرب فيروساً بل هو كائن طفيلي يخترق جلد الإنسان ويعتمد عليه في التغذية كي يبقى على قيد الحياة. هذا الطفيل، العث، يحفر انفاقاً في طبقات الجلد العليا ويضع البيض فيها. كردة فعل تحسسية للجسم تجاه هذا الأمر، تحدث حكّة شديدة وهي العارض الأبرز والأكثر شيوعاً للإصابة بالجرب.
ويوضح الدكتور سعادة، أنه يمكن لكثير من الأمراض الجلدية مثل الأكزيما التسبب بالحكة ولكن ما يميّز الجرب هو وجود العث تحت الجلد وظهور نقاط سوداء تحت الجلد وقشور وحراشف على الجلد.
من جّهتها، تشير الاختصاصية في العلوم المخبرية، ايليان بطرس، لـ”لبنان 24″ الى أن الاصابة بالجرب ليست دليلاً على سوء النظافة، مؤكدة أنه يمكن لأي شخص التقاط العدوى بغضّ النظر عن مستوى عنايته بنظافته الشخصية غير أن احتمال الاصابة بهذا المرض الجلدي يزداد في الأماكن المكتظة والتي تفتقر الى المياه النظيفة.
وعن طريقة انتقال الجرب، توضح بطرس أنه ينتقل عبر الاتصال الجسدي المباشر، لافتة الى أن المصافحة السريعة لا تنقل العدوى كما أن الحيوانات الأليفة لا تنقلها أيضاً. وتنبّه من مشاطرة الأشياء كالملابس والفراش مع المصاب، لأنّه يمكن للعث أن يعيش لمدة تتراوح بين يومين و3 أيام على الأسطح، خارج جسم الانسان.
هل تنجح العلاجات المنزليّة؟
يعدّ الجرب من أكثر الأمراض الجلدية انتشارا في العالم، غير أن بطرس تؤكّد أن الاصابة به لا تستدعي الخوف والقلق إذ أنه باستخدام الأدوية والمراهم المناسبة يمكن علاج هذا الطفح الجلدي بعد تشخيصه، مشيرة الى أنه من الممكن الاصابة بهذا المرض في كلّ مرّة يلامس المرء شخصاً مصاباً به مطوّلاً.
وفي حين يلجأ البعض للعلاجات المنزلية كالاستحمام في دقيق الشوفان، وضع منشفة مبللة وباردة على مناطق الحكة، تطبيق الصبار أو نبتة الألوفيرا على الخدوش الناتجة عن الحكة أو حتى تطبيق بعض الزيوت على الجلد المتوهّج، تشير بطرس الى أن هذه العلاجات قد تخفف أعراض الجرب لكنها لن تقتل العثّ المسبب له.
كذلك، تحذّر بطرس من بعض العلاجات المتداولة غير الفعّالة والمؤذية، كاستخدام الكاز على الجسم. وتقول بهذا الشأن: “تكثر نصائح اعتماد علاجات القمل للجرب، ويأتي من يعطي ارشاداً بمسح الجسم بمادة الكاز، إلا أن هذا الأمر شديد الخطورة اذ ان هذه المادة تسبب التسمّم عند تنشّقها”. وتضيف: “لا تقضي أدوية علاج القمل على حشرة العث لأنها تفتقر للمواد الكيمائية اللازمة لذلك”.
وتنصح في سياق حديثها لـ”لبنان 24″ قبل كل شيء باستشارة طبيب أو صيدلي للكشف على الطفح الجلدي والحصول على الغسول المخصص للجرب في حال تأكيد الإصابة. كما تنصح بالاستحمام بصابون الزيت والماء الساخن يومياً في المساء وارتداء ملابس مغسولة بالماء الساخن بعد ذلك.
لتخفيف الشعور بالحكة، تنصح باستخدام كريمات مضادة للهيستامين او الاستحمام بالماء والملح، وتشير الى أن هذا الشعور سيبقى مستمرا الى حين اختفاء الطفح الجلدي.
الجرب ضمن الأجندة الأممية لعام 2030
استجابةً لطلبات الدول الأعضاء وتوصيات الفريق الاستشاري الاستراتيجي والتقني المعني بأمراض المناطق المدارية المهملة، أدرجت منظمة الصحة العالمية الجرب وسائر الطفيليات الخارجية ضمن أمراض المناطق المدارية الجلدية المهملة في عام 2017. وقد أدرجت المنظمة مؤخراً، عقار الإيفرمكتين على قائمتها للأدوية الأساسية للجرب وقد خضع عدد من الموردين لاختبار المنظمة المسبق للصلاحية.
وفي ما يخصّ الأجندة الأممية، تشمل الأهداف العالمية للمنظمة لعام 2030 الخاصة بالجرب، إدراج التدبير العلاجي للجرب ضمن حزمة الرعاية الصحية الشاملة في البلدان؛ كما حثّ التدخّل الحكومي لإعطاء الأدوية بشكل جماعي في المناطق التي يبلغ معدل الانتشار فيها 10% أو أكثر.
وتعمل المنظمة مع الدول الأعضاء والشركاء لوضع استراتيجيات لمكافحة الجرب وخطط للاستجابة لفاشياته.
كذلك، توصي منظمة الصحة العالمية بضرورة أن تكون استراتيجيات مكافحة الجرب جزءاً من نهج متكامل لمكافحة أمراض المناطق المدارية الجلدية المهملة، ويجري تكييفه بما يلائم الأمراض الموجودة في بلد معين من أجل تسهيل الاستيعاب السريع والعالي المردود للاستراتيجية.
[ad_2]