Advertisement
أمّا الذين رأوا في بيان قمة الرياض ما يمكن التأسيس عليه لممارسة أقصى أنواع الضغط على المجتمع الدولي والغربي للقيام بما عليه القيام به لوقف ما ترتكبه إسرائيل من مجازر يومية ضد المدنيين من أطفال ونساء وشيوخ، فلاحظوا أن لجمّ التهديدات الإسرائيلية لا يتحقّق إلا بما يمكن اللجوء إليه من وسائل ضغط متوافرة لدى معظم الدول الإسلامية والعربية، التي شاركت في هذه القمة الاستثنائية، ومن بينها إيران، التي لم يذكر أحد أنها اعترضت أو تحفظت أو عارضت ما تضمّنه البيان الختامي للقمة، أي أنها موافقة على كل كلمة فيه. وهذا ما يفسّر نوعًا ما عدم لجوء البعض في لبنان إلى التصعيد الكلامي والميداني.
وفي رأي بعض المحللين أن قمة الرياض انعقدت تحت عنوانين أساسيين، الأول مشاركة أغلبية قادة الدول الإسلامية والعربية، ومن بينها لبنان بشخص ريس حكومته نجيب ميقاتي، الذي كانت لكلمته وقع خاص لدى قادة هذه الدول، والثاني مشاركة الرئيس الإيراني بما تعنيه هذه المشاركة في السياسة الإقليمية. وقد “سرق” اللقاء الذي جمع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مع الرئيس إبراهيم رئيسي بعض الأضواء، إذ اعتبر البعض أن هذا اللقاء هو في كفّة ولقاء القمة في كفّة أخرى، مع ما لهذا التشبيه من واقعية لم تعد مجرد تكهنات أو توقعّات، بل أصبح جزءًا من منظومة قواعد يُعمل عليها من ضمن مجموعة ضوابط جديدة يفرضها واقع المنطقة الجغرافي. وقد يكون ما يحصل في غزة، على رغم بشاعته، من ضمن ما يُرسم من مخطّطات مستقبلية لواقع قد يكون مغايرًا لما هو قائم اليوم على أرض الواقع.
فما بين المتفائلين بنصر قريب والمغالين في الإصرار على عدم رؤية إلاّ السواد، ثمة مجموعة كبيرة من الواقعيين، الذين ينظرون إلى كل ما يجري في المنطقة من متغيّرات بعين الواقع، من دون أن يعني ذلك التسليم كليًا بمنطق الاختباء وراء الأصابع. فوراء الأكمة ما وراءها من أمور قد يصعب على الناظر إليها بالعين المجرّدة رؤية ما يجب رؤيته. من هنا، فإن ما تمّ بحثه بين ولي العهد السعودي والرئيس الإيراني ليس مجرد تفصيل، بل هو نتيجة طبيعية لتفاهمات سابقة قد تتطورّ في مراحل لاحقة عبر سلسلة من التفاهمات على مستقبل المنطقة، وما يمكن أن تشكّله حرب غزة من أولوية في رسم خارطة طريق لهذه السياسة، التي تعتمد على الواقعية كأساس متين للانتقال في ما بعد إلى مرحلة التنفيذ.
فالغبار المتصاعد من قطاع غزة يحجب الرؤية عن واقع قد يكون الحديث عنه في هذا الوقت بالذات، وإن كان صحيحًا، كمن يعصب عينيه لكي لا يرى بشاعة ما يحصل على أرض الواقع. ولكن هذا التهرّب من رؤية ما يرتكبه العدو من مجازر لا يلغي حقيقة ما يتعرض له “الغزاويون” الذين يموتون ألف مرّة كل يوم، وهم لا يزالون يجالدون، على رغم ما يصيبهم من خيبات أمل قد تكون “أشدّ مضاضة من وقع الحسام المهنّد”.
[ad_2]